تحلُّ على القدس الذكرى السنوية الثلاثون للانتفاضة الفلسطينية الأولى التي عرفت باسم انتفاضة الحجارة ، وهي تعيش في ألم لا تختلف كثيرًا عن ألمها الذي عاشته مع انطلاقة الانتفاضة في 8 ديسمبر / كانون الأول 1987.

لقد أصبح القدس في الانتفاضة الأولى لتثبت أنها مازالت جزء من فلسطين رغم الاحتلال الذي حاول جاهز فصلها عنها ، وكذلك تشارك اليوم في مواجهات شبه يومية مع الاحتلال لتناهض تهويدها.

السبب المباشر للانتفاضة – حادث الشاحنة الصهيونية في الثامن من ديسمبر / كانون الأول 1987

 يقوم شاحنة صهيونية يقودها صهيوني من أسدود بصدم سيارة يركبها عمال فلسطينيون من جباليا-البلد متوقفة في محطة وقود ، مما يعني أن يكون لديك حياة أربعة أشخاص وجرح آخرين ، وقد اكتسب الإذاعة بإعلان الخبر دون أن تركز عليه لأنه كان عبارة عن حادث يشبه العديد من الحوادث المذكورة. وقد أُشيع آنذاك أن هذا الحادث كان عملية انتقام من قبل والد أحد الصهاينة الذي تم طعنه قبل يومين من الحادثة حتى الموت بينما كان يتسوق في غزة ، فاعتبر الفلسطينيون أن الحادث هو عملية قتل متعمد.

في اليوم التالي وخلال جنازة الضحايا اندلع احتجاج عفوي قامت الحشود خلاله بإلقاء الحجارة على موقع لجيش حكومة الاحتلال بجباليا-البلد فقام الجنود بإطلاق النار دون أن تفعل ذلك على الحشود ، وأمام ما تعرض له من وابل الحجارة والمولوتوف طلب جيش حكومة الاحتلال الدعم ، وهو ما شكل أول شرارة للانتفاضة ، ولكن هذه الحادثة كانت مجرد القشة التي قصمت ظهر البعير ، لأن الانتفاضة اندلعت بعد ذلك بسبب تضافر عدة أسباب.

ا لأسباب غير المباشرة للانتفاضة

إذا كانت الانتفاضة قد اندلعت بسبب قتل أربعة فلسطينيين ، فإن هناك أسبابا عميقة لها الزمن فيما يلي:

  1. عدم قبول حكومة الاحتلال : الشعب الفلسطيني لم يتقبل ما حدث له بعد حرب 1948 ، وبالذات التشريد والتهجير القسري ، وكونه يتعرّض لممارسات العنف المستمرّة والإهانات والأوضاع غير المستقرّة في المنطقة ، علاوة على ذلك العام الجوي المشاعر والرغبة في عودة الأمور إلى نصابها قبل الاحتلال ، كما أن معظم شعوب العالم لم ترض باحتلال قوّة أجنبيّة للأرض التي كانوا يعيشون عليها منذ آلاف السنين.
  2.  تردّي الأوضاع الاقتصادية : بعد حرب الأيام الستة فُتح للفلسطينيين باب العمل في حكومة الاحتلال مما سمح للاقتصاد المحلي بأن يتطور ، ولكن سرعان ما يتدهور الأوضاع لأنه بدأ الفلسطينيون يتجرعون إذلالات يومية ، وتسبب ظروف العمل تتدهور ، أضف إلى ذلك التمييز بخصوص الأجور ؛ لأن بالنسبة للعمل يتقاضى الفلسطيني أجرا يقل مرتين عن نظيره الصهيوني ، كما كان يمكن طرد العامل الفلسطيني دون دفع أجره ، كما كان الفلسطيني مطالبات بتصاريح للتنقل من الصعب الحصول عليها ، وكذلك إلى عمليات التفتيش اليومية التي تتعرض لها في بيوتهم ، كان يتم كذلك خصم 20 ٪ من المرتبات على أساس أنها ستصرف على الضفة والقطاع ولكن بدل ذلك كانت تمول المصاريف العامة الصهيونية.
  3.  إلحاق القدس : احتلت حكومة الاحتلال القدس سنة 1967 ثم أعلنتها عاصمة أبدية لها ، مع ما صحب ذلك من إجراءات من بينها تقنين الدخول إلى الحرم الشريف التي تمسح العبادة الإسلامية ، كما تم الاستيلاء على عدد من الأراضي لترسيخ فكرة القدس كعاصمة غير قابلة للتقسيم من خلال بناء الدولة بها.
  4.  على الصعيد العربي : لم يكن القادة العرب يأبهون بما كان يحدث للفلسطينيين -بعكس المثقفين والشعوب العربية -وهو ما كان وراء خيبة هؤلاء من القمم العربية التي كانت تضع القضية الفلسطينية في آخر اعتباراتها ، وحتى عندما تناقشها فلم تكن تقدم لها أية حلول.

اندلاع الانتفاضة:

اجتمع عدد من العسكريين في موقع جباليا الذي هاجمته الحشود الفلسطينية خلال الجنازة ، وأمام حجم حركة الاحتجاج طلبوا الدعم ، لكن المشرف على الإقليم رد بأنه لن يحصل على أي شيء ، وأن يكون بأن الحياة ستعود إلى طبيعتها في الغد ولم يتم القيام بطلب أي دعم أو إعلان حظر تجول .

لكن الاضطرابات لم تهدأ في اليوم الموالي ، ورفض أغلب السكان للوصول إلى أماكن عملهم كما تم طلبها من الجامعة الإسلامية في غزة بالتجول في الشوارع داعين الناس إلى الثورة ، في حين أراد أفراد الجيش استعمال القوة لتفريق الحشود ولكنهم تنشأ تحت وابل من الحجارة ، وقد تمكن بعض الشبان الفلسطينيين من الصعود على السيارات العسكرية ، وهو ما كان يرعب سائقيها فيزيدون في السرعة ، وقد تم رمي ثلاث زجاجات حارقة أصابت اثنتان منها الهدف واشتعلت النار في إحدى السيارات العسكرية.

أساليب الانتفاضة

أما الأساليب التي اعتمدتها انتفاضة فقد فرض إجراءات القمعية التي تمارسها سلطات الاحتلال في وقوع العديد من الجرحى والشهداء بين صفوف أبناء الشعب الفلسطيني المنتفض لاسيما الأطفال منهم ، إلى لجوء الانتفاضة في تطوير أساليب مواجهاتها مع الاحتلال وقواته العسكرية والأمنية ، والتي تمحورت حول:

1-  المقاومة المدنية والكفاح الشعبي : اتسمت المقاومة المدنية ، بطابعها الغير عنفي إلاّ إذا اقتضت الضرورة رداً على الاحتلال ، واتخذت أشكال من أهمها:

– تنظيم المظاهرات الشعبية في المدن والبلدات والمخيمات على مدار سنوات الانتفاضة. وتحديداً خلال تشييع الشهداء ، أو إنقاذ الجرحى وفي المناسبات الوطنية

– الإضرابات الشاملة التي تعم كل النواحي الحياتية ، بصفتك الخدمات المتصلة بالصحة والاستشفاء. يتحقق الإضرابات الجزئية ، والتي تشمل قطاعات محدودة

– رفض الأوامر العسكرية ، والتوقف عن دفع الضرائب ودفع الرسوم المالية بأنواعها. والطلب من العاملين العرب في أجهزة الإدارة المدنية في المؤسسات التابعة للاحتلال ، ومن المخاتير الاستقالة من مناصبهم ، في خطوة تعبير عن العصيان المدني أقدم سكان بيت ساحور على تسليم هوياتهم للحاكم العسكري في إطار رفضهم لدفع الضرائب.

– فضح عملاء الاحتلال وتعريتهم أمام الجمهور الفلسطيني. وتم إعدام بعض هؤلاء العملاء.

– قذف الآليات العسكرية بالحجارة والزجاجات الحارقة وإشعال الإطارات ووضعها في الشوارع ، ورمي المسامير والزيوت المعدنية ووضع الحواجز الحجرية والزجاجية والحديدية في الشوارع المؤدية إلى المنشأة ، والشوارع التي تستخدمها قوات الاحتلال وإحراق دوريات عسكرية وحافلات وسيارات المستوطنين.

– توزيع منشورات تشرح كيفية إعداد القنصلية الزجاجية الحارقة وكرات اللهب المشتعلة وكرات الرصاص والزجاج والمقاليع.

– رفع الأعلام الفلسطينية على المدارس والمساجد والكنائس ، وفوق أعمدة الهاتف والكهرباء وأسطح المنازل.

– كتابة الشعارات الوطنية والإسلامية على جدران البيوت والأماكن العامة التي تدعو للمقاومة والتصدي لقوات الاحتلال.

– دعوة المواطنين إلى رفض الدعوات التي تطالبهم الحضور من أجل مقابلة ضباط الحكم العسكري والإدارة المدنية ، أو مقابلة ضباط المخابرات الصهاينة للتحقيق معهم كما كان يحدث قبل الانتفاضة.

2-   مقاطعة البضائع دعت القيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة الشعب الفلسطيني إلى :

– مقاطعة البضائع والمنتجات المصنعة لدى الاحتلال ، الحالي توزيعها في الأسواق الفلسطينية

– تدمير شبكات المياه والكهرباء العائدة سواء لوزارات حكومة الكيان أو المستوطنين أو الشركات الخاصة.

3- العمليات العسكرية خلال الانتفاضة من الفصائل الفلسطينية :

– عملية ديمونا عام 1988 • محاولات لاختطاف جنود صهاينة لمبادلتهم بأسرى فلسطينيين

– ملاحقة وقتل العملاء وإحراق منازلهم • ملاحقة سماسرة الأراضي أفراداً كانوا أم شركات

– اعتماد عمليات الطعن بالسكاكين على الجنود أو المستوطنين.

4- ابتكرت الانتفاضة في فعالياتها مجموعة من الوسائل التي تساعد في بث الدعاية والتعبئة الجماهيرية لجموع الشعب الفلسطيني ، بفضلهم على الانخراط الأوسع في أعمال الانتفاضة والمقاومة. ومن تلك الوسائل :

– إصدار البيانات والنداءات وهي الموقعة من قبل القيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة ، أو من قبل حركتي حماس والجهاد ، وهي تتقاطع عند توجيه الدعوة إلى الإضرابات ، حيث تلقى استجابة من قبل فئات الشعب الفلسطيني.

-النداءات في المساجد مثلت المساجد إحدى الوسائل الفعالة والمهمة في توجيه الدعوات من أجل تنفيذ فعاليات الانتفاضة. حيث ميكروفونات المساجد لعبت دوراً مؤثراً كإذاعات وطنية تبث نداءات سياسية وجماهيرية في عموم المخيمات والبلدات الفلسطينية من أجل المشاركة في التظاهرات والمواجهات. وإذاعة ما تصدره قيادة الانتفاضة.

– الكتابة على الجدران انتعشت خلال الانتفاضة الكتابات والشعارات الجدرانية التي ملأت جدران الشوارع والمباني والدارس والجوامع والكنائس والمؤسسات والمصانع… الخ. وهي مساحات واسعة وجدت فيها الانتفاضة ورجالاتها وأبطالها فرصة لإطلاق الشعارات الحماسية الثورية والوطنية وحتى الإسلامية ، من مثل (لتستمر الانتفاضة … تحية لأطفال الحجارة … نموت واقفين ولن نركع … أعلناها سوية ، إسلام ومسيحية).

– اللقاءات المنظمة عمدت قيادة الانتفاضة إلى تنظيم اللقاءات والمحاضرات والندوات والمهرجانات ، خصوصاً في مجالس عزاء الشهداء والجامعات ومقار النقابات ، وهي حث الجماهير على مواصلة الانتفاضة وتعميمها الإعلام الجماهيري فقد الانتفاضة في قلة الوسائل الإعلامية ،

– اللجوء إلى الإعلام الجماهيري المباشر ، حيث تم الاعتماد على ما إذا كانت قرارات وبيانات الانتفاضة بميكروفونات محمولة على سيارات ، مع الاعتماد على وكالات أنباء محلية وعالمية لفضح ممارسات الكيان وقواته وأجهزته الأمنية ومستوطنيه ، حيث لعبت الصور الملتقطة لجنود الاحتلال وهم يكسرون عظام عدد من الفتيان واختيار ، وكذلك قتل الطفل محمد الدرة المحتمي بوالده ، دوراً هاماً في كسب التعاطف والتضامن من الانتفاضة ومطالبها العادلة والمحقة.

تضحيات الشعب الفلسطيني خلال الانتفاضة

– 1.162 شهيد ، بينهم حوالي 241 طفلاً.

– نحو ما يقرب من 90 ألف جريح ، يعاني نحو 40٪ منهم من إعاقات دائمة ، 65٪ يعانون من شلل دماغي أو نصفي أو علوي أو شلل في أحد الأطراف بما في ذلك بتر أو قطع لأطراف هامة

– نحو ما يقرب من ال 60.000 ألف معتقل من عموم المناطق الفلسطينية.

– تدمير 1.228 منزلاً.

– اقتلاع 140 ألف شجرة من المزارع الفلسطينية.

 موقف مجلس الأمن الدولي من الانتفاضة :

أصدر مجلس الأمن الدولي القرار رقم (605) ، والذي شجب فيه السياسات والممارسات التي تنتهك من حقوق الإنسان للشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة ، ومطالباً “الاحتلال” التي تمثل السلطة القائمة بالاحتلال أن تتقيد فوراً بـ (اتفاقية جنيف) وتعتبر المدنيين المدنيين وقت الحرب.

بداية نهاية الانتفاضة الفلسطينية:

مع تسارع الأحداث في المنطقة وتحديداً مع حرب الخليج عام 1990 ، وانهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991 ، قد أرخى بظلاله على الانتفاضة وفعالياتها التي بدأت تتراجع بالتزامن مع ارتفاع نحو نحو عقد مؤتمر لـ “السلام” في مدريد تشارك فيه كل أطراف الصراع ، وبرعاية أمريكية روسية ، وتدحرج التطورات المتعلقة بذلك وصولاُ إلى اتفاقات “أوسلو” عام 1993 ، الذي وقعته منظمة التحرير مع حكومة الاحتلال ، متنازلة عن 78٪ ، وباعتراف مُذل بكيانه المسخ مقابل سلطة بائسة ، ثَبُتَ بعد حوالي ربع قرن من عمر “أوسلو” أنها لم تحقق شيء للشعب الفلسطيني ، سوى المزيد من تبديد للحقوق والعناوين الو طنية. يمكن أن يكون وجهًا من الطعنة إلى ظهر الانتفاضة وتضحيات أبنائها وشعبها المناضل والمقاوم والمضحي ، الذي قد يكون لديه القدرة على الاستمتاع بأفق سياسي مُحسن بمناعة وطنية كافية لكانت هذه الانتفاضة قد يكون الشيء الكثير من الحقوق والعناوين الوطنية ومن الأهداف التي تكون لأجلها الانتفاضة المباركة في الثامن كانون الأول.

الخاتمة

تصاعدت الانتفاضة يوما بعد يوم حيث تصدى الشعب الفلسطيني بجسده ودمه لكل آلة القمع والوحشية الصهوينية ، وقد انتهت الانتفاضة باعتراف منظمة التحرير بدول الاحتلال ، والتوصل للتجارة إعلان المبادئ في أوسلو وهو الاتفاق الذي عرف باسم اتفاق أوسلو في العام 1993 ، بعدها خفت حدة الانتفاضة وانتهت بشكل تام في شهر أيار / مايو 1994 عند دخول ياسر عرفات ومسؤولين من المنظمة إلى مناطق الحكم الذاتي في غزة.

EN
Scroll to Top